
من دموع الأمس إلى ابتسامة اليوم… حكاية نجاح دعاء
من دموع الأمس إلى ابتسامة اليوم… حكاية نجاح دعاء
بقلم دكتور محمد مندور
كانت دعاء تعرف منذ نعومة أظافرها أن الحياة ليست طريقًا مستقيمًا معبّدًا بالزهور، بل ممر طويل مليء بالحجارة، وكل خطوة فيه تحتاج إلى عزيمة وقلب مؤمن بأن وراء التعب معنى أكبر من مجرد الوصول. لم تكن ابنة حظٍّ سهل، ولا وُلدت وفي فمها ملعقة من ذهب، بل خُلقت في بيت صغير، في مدينة مزدحمة، وسط أحلام متواضعة وأمنيات قد يعتبرها الآخرون بسيطة. لكن قلبها كان يرى أبعد من الجدران الأربعة، ويسمع نداءً داخليًا يقول لها دائمًا: "أنت خُلقتِ لتكتبي حكاية مختلفة."
في سنواتها الأولى، واجهت دعاء تجارب قاسية جعلتها تكبر قبل أوانها. عرفت معنى الخذلان من أقرب الناس، وتجرعت مرارة الفشل في محاولات عديدة، وسقطت مرات لا تُحصى. لكن رغم كل ذلك، كان بداخلها نور صغير يرفض أن ينطفئ. ذلك النور كان بمثابة يدٍ خفية تُعيدها للوقوف كل مرة، تُذكّرها أن السقوط ليس نهاية، بل بداية لرحلة أشجع.
كانت تعمل نهارًا في وظيفتها البسيطة، وتجلس ليلًا على مكتب قديم متآكل، تقرأ الكتب وتدوّن الأفكار. عيناها المتعبتان لم تكونا تعرفان النوم، لكنهما كانتا تعرفان الشغف. أصدقاؤها انسحبوا واحدًا تلو الآخر، منهم من استهزأ بأحلامها، ومنهم من قال لها إنها "تحلم أكبر من حجمها". لكنها كانت تبتسم في صمت وتقول لنفسها: "أحلامي ليست أكبر من حجمي… بل هي على مقاسي الحقيقي، المقاس الذي لم يره أحد بعد."
الطريق كان مليئًا بالدموع، لكنها كانت دموعًا دافئة، دموعًا تُسقي بذور الصبر في قلبها. وكل خسارة كانت كالمطر، تُنبت داخلها شجرة جديدة من القوة. لقد تعلمت دعاء أن الفشل لا يُقصي الإنسان من السباق، بل يُصقله، يُعيد تشكيله، ويجعله أكثر استعدادًا للانتصار القادم.
ومع مرور الوقت، بدأت ثمار الصبر تُزهر. نجحت في مشروعها الصغير الذي حلمت به لسنوات، ووقفت أمام الناس لأول مرة تُعلن بفخر عن إنجازها. كان ذلك اليوم مختلفًا؛ لم يكن مجرد نجاح مالي أو عملي، بل كان انتصارًا على كل لحظة يأس، وكل كلمة محبطة، وكل دمعة سقطت في ليالٍ طويلة من الوحدة.
لكن المفاجأة الكبرى لم تكن في النجاح وحده، بل فيما تبعه. ففي خضم هذا الانشغال ببناء ذاتها، دخل حياتها رجل لم يكن فارسًا خياليًا يأتي لينقذها، بل كان إنسانًا يشبهها في ملامح الكفاح. لم يأتِ ليقول لها: "أنا الحل"، بل قال: "أنا شريك الطريق." أعجب بقوتها قبل جمالها، وبإصرارها قبل خطواتها. أحب تلك الندبات المخفية في روحها، لأنها بالنسبة له كانت أجمل دليل على أن هذه المرأة ليست هشة، بل من طين النار صُنعت، ومن رماد الخيبات وُلدت من جديد.
أصبحا معًا يكمّلان بعضهما، ليس بمعنى الاعتماد، بل بمعنى الشراكة. كانت دعاء تنجح بمجهودها، وهو يصفّق لها من القلب. وكانت تتعثر أحيانًا، فيمسك بيدها دون أن يسحبها، بل ليذكّرها أن قوتها هي التي سترفعها من جديد. الحب الذي جاءها لم يكن حبًا يُضعفها أو يُشتتها، بل كان حبًا يمنحها الدفء، ويجعل رحلة النجاح أكثر جمالًا.
وهنا أدركت دعاء أن الحياة لا تمنحنا السعادة دفعة واحدة، بل تُعطينا إياها على شكل محطات صغيرة. النجاح وحده جميل، لكنه بارد إذا لم نجد من نشاركه معه. والحب وحده دافئ، لكنه هش إذا لم يكن مبنيًا على الاحترام والإيمان بالطموح. لكن حين يجتمع النجاح والحب في آنٍ واحد، نصبح أمام لوحة متكاملة، لوحة تقول: "لقد تعبتِ كثيرًا… والآن جاء وقت الحصاد."
رحلة دعاء لم تكن قصة عابرة. هي مرآة لكل شاب وفتاة يسيرون الآن في الطرق الوعرة، يشعرون بالوحدة والتعب. قصتها تقول لهم: لا تيأسوا. الطريق قد يكون طويلاً، والليل قد يبدو بلا نهاية، لكن الفجر لا يتأخر على من يستحقونه. النجاح بعد العناء أجمل طعمًا، لأنه ممزوج بالدموع والعرق. والحب بعد الصبر أصدق معنى، لأنه لا يختار المظاهر، بل يختار الروح التي قاومت وانتصرت.
اليوم، حين تنظر دعاء إلى الخلف، لا ترى فقط خطوات متعثرة، بل ترى كيف صنعت من كل سقوط سلّمًا صعدت عليه. ترى في عينيها انعكاس كل مرة قاومت فيها رغم التعب، وتبتسم وهي تعرف أن الله لم يخذلها، بل كان يُحضّرها لشيء أجمل مما توقعت.
وهكذا، تتحول قصتها إلى رسالة لكل من يقرأ: لا تستسلموا. اجعلوا أحلامكم أصدق رفيق، وصبركم أقوى سلاح. وثقوا أن للحياة وجهًا دافئًا ورومانسيًا ينتظركم بعد كل عناء. ربما في نجاحٍ صغير، وربما في قلبٍ كبير يُحبكم كما أنتم.
فالحياة، في نهاية المطاف، ليست سباقًا للفوز فقط، بل رحلة للعيش بكل ما فيها من ألم وأمل، من تعب وفرح، من جراح وشفاء. والنجاح الحقيقي ليس أن تصل وحدك، بل أن تصل ومعك قلب دافئ يقول لك: "تعبتِ كثيرًا يا دعاء… الآن حان وقت أن تبتسمي بسلام."
اضف تعليقك هنا عزيزي